الانتساب الي الدوحة النبوية شرف ومسئولية

الانتساب الي الدوحة النبوية شرف ومسئولية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله, وأشهد أن لا إله إلا الله مدح نبينا الكريم ورسولنا الخاتم أبا القاسم فقال " وإنك لعلي خلق عظيم"وأصلي وأسلم علي خير الأنام ورسول السلام الرحمة المهداة سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ومن والاه إلي يوم الدين.

يخطئ من يظن أن نقابة الأشراف قامت من أجل تسجيل أنساب حوالي ستة ملايين شريف ينتشرون في ربوع مصر المحروسة أو أن النقابة تحظي بخصوصية الاهتمام فقط بآل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم دون غيرهم والحقيقة هذا دور من أدوارها المتعددة لأن نقابة الأشراف منذ أن نشأت في العصر العباسي وبالتحديد في القرن الثالث الهجري في أيام الخليفة المأمون بن هارون الرشيد وفي القاهرة إبان الدولة الفاطمية عام 358 هجرية كانت النقابة مركزاً للاشعاع الحضاري والثقافي والاجتماعي والوطني لكل المسلمين بل لكل أبناء الوطن علي مدار هذا الزمن الطويل الضارب في أعماق التاريخ لا يعرف أبناء الأشراف التمييز أو العنصرية أو العنجهية أو الطائفية ولم يسجل التاريخ عليهم حادثة واحدة خرجوا فيها علي النظام أو الشرعية بل الحقيقة أنه لم يتضرر منهم أحد لأنهم متفاعلون في المجتمع متعاونون يشعرون بالمسئولية الملقاة علي عاتقهم, فالشريف لا يزيد عن المسلم سوي انتسابه للدوحة النبوية وهو شرف ما بعده شرف لكن عليه نفس الحقوق والواجبات ولا يحسب في ميزانه إلا طاعته لله عز وجل وطاعته لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وإقامة القواعد والحدود والإلتزام بالقيم والسلوك والاستقامة فالشريف محمل بالمسئوليات الجسام فوق عاتقه لأنه محسوب علي السلسلة الطاهرة والنسب الغالي وهذا الانتماء ليس ترفا للمفاخرة والتباهي بقدر ما هو مسئولية كبيرة أمام الله ورسوله.

من هم الأشراف

يرجع نسب الأشراف الي البيت البنوي الشريف فهم من ذرية السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن ولديها الحسن والحسين فبعد بزوغ فجر الإسلام علي الجزيرة العربية واتساع الدولة الإسلامية في عصر الراشدين خرج المسلمون الأوائل الي الأراضي الشاسعة والبلدان الجديدة ينشرون دين الله ويعلمون أهل البلاد المفتوحة أبجدية الدين الإسلامي وقيمه وفضائله العظيمة وكان صحابة رسول الله صلي الله عليه و سلم وآل بيته الكرام يقودون هذه المسيرة السامية ويؤسسون المراكز الفكرية والحضارية التي تبث الشعاع الرباني والنور المحمدي في كل اقاصي البلاد بالأدب الجم وسعة الصدر والحكمة والقدوة والموعظة الحسنة ولم تكن مصر بعيدة عن هذا الإشعاع الجديد وقد فتحت صدرها للفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص وكانت هذه هي البداية حيث توالت بعد ذلك الهجرات العربية طوال فترة حكم الدولة الطولونية والاخشيدية والفاطمية التي جاء أغلبها في العصر الأموي والعباسي فرارا من الظلم الذي تعرف له كثير من الأشراف حيث هاجر كثير منهم الي مصر ووجدوا كل ترحيب وتكريم من الحكام والمحكومين وخير دليل علي ذلك عندما اختارت السيدة زينب شقيقة الحسن والحسين بنت السيدة فاطمة رضوان الله عليهم جميعاً مصر لتكون مقراً لها بعد استشهاد الإمام الحسين في معركة كربلاء حيث جاءت عام 61 هـ وذريتها موجودة حتي اليوم.

ومن أهل البيت الذين قدموا إلي مصر أيضاً الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط والسيدة نفيسة بنت الحسن التي قدمت إلي مصر عام 193هـ وقد تزوجت من إسحاق المؤتمن بن جعفر الصادق ومنهم السيدة رقية بنت علي الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق والسيدة عائشة بنت جعفر الصادق ومن هذه السلسة الطاهرة السيد أحمد البدوي الذي أقام في طنطا ومات فيها والسيد أبو الحسن الشاذلي توفى سنة 656 هـ بالبحر الأحمر والسيد إبراهيم الدسوقي الذي أقام في دسوق حتى وفاته والسلطان أبو العلا وله مسجد مشهور في بولاق وتوفى عام 890 هـ والده السلطان حسن الأكبر وهناك شارع يحمل إسمه في حي عابدين والسيد عبد الرحيم القنائي في قنا والسيد يوسف الحجاج الحسيني الذي أقام في الأقصر والسيد أبو القاسم الطهطاوي الحسيني الذي ولد في طهطا وكان من أقطاب التصوف في عصره..

إن مصر المحروسة بإذن الله تمتلئ بأولياء الله الصالحين من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا دعاة هداية وصلاح ورشاد ومحبة على مر تاريخهم الطويل..

نقابة الأشراف التاريخ والحاضر والمستقبل

نقابة الأشراف لسيت وليدة هذا العصر كما يظن البعض وإنما أول ما نشأت في العصر العباسي في القرن الثالث الهجري وأول دعوة لقيام نقابة للأشراف كانت من مصر على يد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا عام 220 هجرية الموافق 835 ميلادية حتى قيام الدولة الطولونية بمصر فعين أحمد بن طولون إسماعيل بن القاسم الرسي نقيباً للأشراف ورئيساً للجماعة سنة 254 هـ أي بعد توليه مقاليد الحكم مباشرة وتوارث منصب النقيب اسرة ابنه محمد الذي دعاه المصريون سيدي محمد الشعراني وعرفت أسرته باسم اسرة النقيب.

ومن ثم تعاقب على النقابة العديد من النقباء على مر عصور الولاة والخلفاء في مصر كان منهم الحسين بن خداع ومسلم بن طاهر النقيب في عهد المعز لدين الله الفاطمي ومحمد بن علي الزينبي والحسين المحترقي واسرة حمزة الجني الذين كانو يتسمون بسماة الدولة والنقيب إبراهيم الكليثمي,أيضا لا ننسي أسرة النقيب محمد الجواني الذين كانوا علماء أفاضل.

والحسين العوكلاني والحسن الشقفي ومحمد الجرواني وكذلك أسرة علي الأرموي والذين تولوا منصب النقيب لأكثر من مائة عام وبعد دخول سليم الأول العثماني مصر استمرت النقابة بدورها غير أن تعيين النقيب كان يأتي من الباب العالي بالأستانة فولي نقابة مصر نخبة من أعيان أشرافها الي حين قدوم نابليون بحملته الي مصر وكان نقيب الأشراف آنذاك السيد عمر مكرم الذين لم يهنأ مع نابليون علي عرش مصر وقاد ثورة القاهرة ضد نابليون وكان له الفضل بعد الله في استتباب الأمن بمصر وتعيين محمد علي والياً لها فاهتم بمنصب النقيب وعين بعد وفاة عمر مكرم محمد وفا السادات وبعده محمد الدواخلي.

ثم توالي علي النقابة نقباء من الأسرة البكرية العريقة حتي كان آخرهم محمد توفيق البكري الذي جمع بين مشيخة الطرق الصوفية والنقابة وجاء بعد الأسرة الببلاوية الذي كان أوله علي الببلاوي نقيب الأشراف الذي عين شيخاً للأزهر فاختار ان يتفرغ لنقابته وشئونها علي أن يشغله شيئ عنها.

ثم تولي السيد محمد علي الببلاوي الحسني نقابة الأشراف واستمر حتي عام 1953 م وبعد وفاته لم يعين أحد بعد ذلك وأصبح هذا المنصب شاغراً حتي قيد الله لمصر ولشعبها من عرف قدر آل البيت ومكانتهم ودورهم في تاريخ مصر عندما أصدر الرئيس محمد حسني مبارك القرار الجمهوري بتعيين السيد محمود كامل يس نقيباً للأشراف عام 1991 م وعقب وفاته اجتمعت جموع السادة الأشراف وتم اختيار السيد أحمد كامل يس نقيباً لهم بالإجماع وصدر القرار الجمهوري رقم 330 لسنة 1994 م ثم اختارني الأشراف لمواصلة هذه المسيرة الناجحة وصدر القرار الجمهوري رقم 355 لسنة 2008م ولم تكن تلك الفترة الشاغرة وقفا لنشاط الأشراف وإنما كان النشاط مستمرا فكان الجميع نقباء حتي كان تعيين النقيب فقام بالأمر مع الجميع ( فيد الله مع الجماعة).

ونقابة الأشراف في الوقت الحالي هيئة اسلامية كبري تضطلع بالمسئوليات الكبيرة التي تواجه امتنا فنحن في خدمة الدعوة الإسلامية الصحيحة وفي خدمة آل بيت رسول الله صلي الله عليه وسلم الكريم وننادي بالوسطية في الإسلام وعدم التطرف أو التشدد في الفكر ونلتزم بكل القرارات السياسية التي تقرها الدولة وقيادتها السياسية ولذلك فنحن حماة للشرعية والقانون والنظام وهي المظلة التي نستظل بها ونسعي جاهدين لأن يكون للأشراف دورا في حل مشاكل الوطن الذي نعيش فيه فلقد بلورنا توجيهات السيد الرئيس محمد حسني مبارك في المساهمة في حل مشكلات البطالة في الصعيد وعقدنا عدة اجتماعات مع مجموعة من رجال الأعمال الذين ينتسبون للنقابة وأعددنا لهم عدة مشروعات متنوعة حتي يمكن البدء في المساهمة في حل هذه المشكلة التي يعاني منها العالم أجمع وسوف تكون هذه المشروعات مفتوحة لكل أبناء الوطن وليست خصيصا لفئة بعينها.

إن نقابة الأشراف وهي تفتح أبوابها لكل أشراف مصر والعالم العربي والإسلامي لم تنس واجبها في الحفاظ علي التراث النبوي وحفظ القرآن الكريم, وسوف تعقد سلسلة من المسابقات علي مستوي كل المحافظات تحت اشراف النقابات الفرعية للنقابة وسوف يرصد لهذا العمل ميزانية كبيرة لتشجيع الأطفال والشباب علي حفظ كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم.

إن نقابة الأشراف تتفاعل مع كل قضايا الوطن الاجتماعية والثقافية والدينية والوطنية ونضع خطوطا فاصلة لكل شريف لتأكيد انتسابه للدوحة النبوية.وفي البطاقة التي يتسلمها من النقابة نقول له في البطاقة للتذكير والذكري تنفع المؤمنين, إن انتسابك الي آل البيت لا يتدفعك الي أن تتميز عن سائر الناس لأن الله سبحانه و تعالي يقول {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وعليك بالاقتداء بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وتب الي ربك كل يوم وقد كان عليه الصلاة والسلام يتوب الي الله في اليوم مائة مرة والعمل في الحياة والاسلام دين ودنيا وتخلق بالخلق الحسن وأقرب الناس من سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم أحسنهم أخلاقاً وعليكم بصلة الأرحام وتشرفك بهذا النسب يستوجب علي كل شريف أن يكون قدوة لغيره في الطاعة والاستقامة.

إن نقابة الأشراف لا تعطي صكوكاً للجنة وأن الأنتساب لسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يعفي من السعي في الدنيا والعمل الجاد والاقبال علي الله بالطاعات وكل مسلم له حقوق وواجبات والشريف لا يختلف عن ذلك والشرف الذي يحمله هو مسئولية كبيرة علي عاتقه والنقابة تحرص في كل المؤتمرات والندوات الدينية والاجتماعية أن تنبه إلي أهمية أن يكون الأشراف قدرة وإسوة لغيرهم.

وإن شاء الله تعالي سوف تقوم النقابة في السنوات القادمة بمد نشاطها إلي نقابات العالم العربي حتي تتجمع كلها تحت نقابة واحدة إسوة بالجامعة العربية ويكون لها دستور وميثاق واحد للعمل علي جمع شمل المسلمين تحت راية واحدة تدافع عن الإسلام والأمة الإسلامية وتكون منبراً للتنوير والهداية دون التدخل في سياسة الحكومات علي الاطلاق, وليس لنا مطمع في جانب من الجوانب المختلفة غير خدمة الإسلام و المسلمين وجميع طوائف المجتمع في كافة الميادين اقتداء بسيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو لنا القدوة الحسنة والسراج المنير ورحمة الله للعالمين وهي الرحمة التي تشمل جميع المخلوقات من بشر وغير بشر.

وليس لنا رد من يتجرأ بالكلام علينا وإنما نأمل من كل من يريد أن يستوضح أمراً أن يتفضل إلينا ويتحدث معنا لعل في ذلك ما يبعد بعض الشبهات بيننا ونحن لا نحمل ضغينة لأحد وإنما نقول أهلا وسهلا لكل من يريد الوصول معنا إلي سواء السبيل.

نسأل الله أن يوفقنا إلي ما فيه الخير للجميع


مقال سماحة السيد الشريف/ السيد محمود الشريف نقيب السادة الأشراف

بمجلة الأشراف