سباب المسلم
د. عمر عبدالكافي
آفات اللسان
آفة خطيرة من آفات اللسان ابتلي بها كثير من المسلمين و ندعو الله سبحانه و تعالى أن ينزع عن الجميع هذه الآفة الخطيرة الّتي قد تعصف بمجتمع الإسلام و المسلمين. هذه الآفة عن سباب المسلم و العياذ بالله ربّ العالمين.وفي حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "سباب المسلم فسوق و قتاله كفر" (1). وفي حديث عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال: " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". و في رواية أحمد: "أيّما رجل كفّر رجلاً فإن كان كما قال و إلاّ فقد باء بالكفر" (2) و العياذ بالله ربّ العالمين. و لذلك حذّر النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و قال : "لا يرمي رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتّدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك. و من دعا رجلاً بالكفر أو قال عدوّ الله و ليس كذلك إلاّ جار عليه" ( 3). و في حديث ثابت بن الضّاحك، رضي الله عنه، أنّه قال صلّى الله عليه و سلّم : "من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال، وليس على ابن آدم نذر فيما لا يملك، ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عذب به يوم القيامة، ومن لعن مؤمناً فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله" (4). ……
أحبّتي في الله، هذه نصوص نبويّة شريفة، وردت على لسان الحبيب المصطفى صلّى الله عليه و سلّم تحذّرنا من مسألة سباب المسلم؛ لأن السباب أشدّ من السّب؛ وهو أن يقول الإنسان ما فيه و ما ليس فيه، هذا هو السباب.فانظر إلى أنّ الإنسان عندما يبغض إنساناً، أو يحسد إنساناً، أو يمتلئ قلبه ضغينةً، أو حقداً، أو حسداً، أو كراهيةً، أو بغضاً، نحو إنسان ما، فإنه يقول ما فيه من عيب، و ما ليس فيه، و هنا تكمن الكارثة: أنّ المسلم يجب أن يمسك لسانه عن سبّ أخيه المسلم؛ فإنّ الإنسان عندما يذكر إنساناً بشين، أو يريد أن يشينه، فإنّما هو يريد أن يكشف عورته، و العياذ بالله ربّ العالمين، وكأنّه يريد أن يبدي عورة المسبوب. لأنّ أصل كلمة السّب في الّلغة هو القطع و هو مأخوذ – أعزّكم الله - من السّبة و هي حلقة الدّبر كأنّ الفاحش من القول سمّي بالفاحش من الجّسد.(5) أما قوله صلى الله عليه وسلم : "سباب المسلم فسوق"،
فالفسق في اللّغة، هو: الخروج (6)، و في المصطلح الشرعي، هو: الخروج عن طاعة الله سبحانه و تعالى (6). و عند أهل الاختصاص و علماء الشّريعة: الفسوق أشدّ من العصيان.قال ربّنا: (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) (الحجرات من الآية7) فانظر أخي المسلم و أختي المسلمة كيف أن عرض المسلم غال، كما سبق بيانه أن حرمة المؤمن عند الله أعظم من الكعبة؛ كما ورد عن ابن عمر، رضي الله عنهما، أنه نظر يوماً إلى البيت، فقال:" ما أعظمك وأعظم حرمتك، وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك" (8).
وبقية الحديث يقول صلى الله عليه وسلم "وقتاله كفر" لأنّ القتال بلا شك أشدّ من السباب؛ لأنّه ينتهي إلى إزهاق روح هذا الإنسان، فالقضيّة: أن حقّ المسلم على المسلم أن يعينه، أن ينصره، ألاّ يخذله، وأن يكفّ عن أذاه. و كما قال الإمام النّووي، رحمه الله:" إن سبّ المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق" (9). وقال صلّى الله عليه وسلّم:"المستبّان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم"(10) المعنى: أن الإثم، إثم السباب الواقع من هذين الشخصين يعود على من ابتدأ إلا ّ أن الثّاني يأتي ليريد أن ينتصر، فإن تجاوز الحد، يكون عليه نفس الوزر ثمّ يعود الإثم أيضاً على من بدأ؛ لأنّ الشّرع أيضاً يبيح أن ينتصر الإنسان عندما يظلم، قال تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) (الشورى:41)، وقال ربّنا عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (الشورى:39).
والسّباب يؤدّي إلى أنّ يأتي الشيطان ليحضر هذا المجلس، الذي يحبّه الشّيطان ولا يحبّه أهل الإيمان ولا يحبّه الله عزّ و جل، فالشّيطان يحفّز المسبوب على أن يسبّ و يردّ هذا على ذاك، و تكبر الفتنة، والعياذ بالله رب العالمين. و لكنّ المؤمن عندما يعفو، هذه درجةَ أعظم، يقول صلّى الله عليه و سلّم: "ما زاد الله عبداً بعفوٍ إلاّ عزاً" (11). فالمسلم عندما يعفو فهو إنسان متواضع، إنسان يطلب من الله عزّ وجل يردّ على هذا الإنسان، يطلب من الله تعالى يقتص من هذا الإنسان، يدعو الله سبحانه و تعالى أن يأخذ حقّه من هذا الإنسان؛ لأنّ سباب المسلم يحرم على الإنسان، لكن إذا انتصر المسبوب، يعني إنسان سبّ إنسان فجاء الّذي ظلم هذا و سبّ فبدأ يريد أن ينتصر و يستوفي ظلمته من الطّرف الآخر، هل هذا يبرّئ الأوّل من حقّه؟ قال أهل العلم: نعم! يبرأ الأوّل من حقّه و يبقى عليه إثم الابتداء (12). الإنسان يتّق الله ربّ العالمين، و يراعي هذه المسألة؛ لأنّها مسألة خطيرة، نسأل الله سبحانه و تعالى أن يمسك ألسنتنا عن هذا الأمر، لأنّ السّباب يدخل الإنسان في الفحش والتّفحّش، والبحث عن كلماتٍ بذيئة تتأذى منها الملائكة، و يتأذى منها عباد الله الصّالحون، ويتأذّى منها كل ذي قلبٍ يتّقي الله ربّ العالمين؛ فالله عزّ و جلّ يقول: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33).
وعن عائشة، رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم، (أي الموت)، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله" فقلت: يا رسول الله أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قد قلت وعليكم"(13). انظر إلى هذا الكلام العظيم وهذا الأدب الجم، يعني صنعه ربّ العباد سبحانه وتعالى على عينه صلّى الله عليه و سلّم و أدّبه فأحسن تأديبه و كان خُلقه القرآن، يقول: يا عائشة عليك بالّرفق وإيّاك و العنف و الفحش، لأن الرّفق ما وجد في شيءٍ إلاّ زانه، وما وجد العنف و الشّدة في شيءٍ إلاّ شانه. يأمرها و يأمرنا بالرّفق، و ينهاها عن العنف و الفحش.
و استأذن على النّبي صلّى الله عليه و سلّم رجل، فلمّا قيل له قال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة " فلمّا جلس تطلّق النبي صلّى الله عليه و سلّم في وجهه، يعني: بسط الرّسول صلّى الله عليه و سلّم وجهه و انبسط إليه، (يعني هششت و بششت في وجهه)، فلمّا انطلق الّرجل، قالت له عائشة : يا رسول الله حين رأيت الرّجل قلت له كذا وكذا ثمّ تطلّقت في وجهه و انبسطّت إليه، فقال صلّى الله عليه و سلّم: "يا عائشة، متى عهدّتني فحّاشاً، إنّ شرّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة من تركه الناس اتّقاء شرّه"( 14) انظر إلى هذا الحديث الخطير، كثير من النّاس اليوم في زمننا وفي كلّ زمن وفي كلّ عصر يبتعد النّاس عنه اتّقاء فحشه، فالمسلم ليس بفاحش . إنّ أثقل ما وضع في ميزان المؤمن يوم القيامة خلق حسن، و إنّ الله يبغض الفاحش البذيء.وقال صلّى الله عليه و سلّم: "إنّ من يحرم الرفق يحرم الخير" (15) .و إن الرفق كما قلنا وكما ورد عن عائشة فيما روته عن النّبي صلّى الله عليه و سلّم "إنّ الرفق لا يكون في شيءٍ إلاّ زانه و لا ينزع من شيءٍ إلاّ شانه، يا عائشة ،إنّ الله رفيق يحبّ الرفق و يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، و ما لا يعطي على ما سواه" هكذا روى الإمام مسلم ( 16).
هذه الأحاديث العظيمة الّتي وددنا أن نتعلّمها نحن و زوجاتنا و أبناؤنا و بناتنا و أهلنا، ويجب أن يعرف الجميع أن الإنسان عندما يمسك لسانه عن سباب المسلم سوف يتعوّد الصّفات الحسنة الجّميلة، و عندما يطلق لسانه بالفحش و بالبذاءة في النّاس و في أعراض النّاس عندئذٍ سوف يتعّود لسانه البذاءة.
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يتوب على الجّميع من سباب المسلمين و من السّب و اللّعن إنّ ربّنا على ما يشاء قدير.